مقالات مختارة

متى ستعود بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي؟

حسين مجدوبي
الأناضول
الأناضول
هل ستعود بريطانيا إلى حضن الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة؟ إنه سؤال يناقشه الرأي العام في بريطانيا بحماس، بينما تستمر الطبقة السياسية في التعاطي معه بنوع من الاحتشام، أو في صمت كما يجري مع حزب المحافظين، وقد تقف عوامل متعددة منها انتقال العالم إلى حرب باردة جديدة.
علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي هي علاقة زواج غير مستقرة، منذ انضمامها إلى صفوفه سنة 1973، حيث رسمت لنفسها سياسة لا تلتقي دائما مع توجهات الاتحاد، حتى انتهى الأمر إلى الفراق. ومن أبرز عناوين هذا الاختلاف يمكن الاقتصار على ثلاثة أمثلة دالة للغاية، وهي:

أولا، رفض بريطانيا الانضمام إلى فضاء شينغن المفتوح، الذي يسمح لساكنة الدول الأعضاء، سواء الأوروبيين أو الأجانب المقيمين، التحرك من دون قيود الجواز والتأشيرة. وفي المعطى الثاني، إصرارها الاستمرار في الاحتفاظ بعملتها الوطنية الجنيه الإسترليني، نظرا لارتباط اقتصاديات دول الكومنولث بها، وأخيرا كانت لندن بمثابة امتداد لصوت البيت الأبيض في هياكل الاتحاد الأوروبي. وهكذا، حصل الانفصال في التصويت الشهير بـ»البريكسيت» يوم 23 يونيو/حزيران 2016 وبذا أصبحت بريطانيا رسميا خارج الاتحاد سنة 2020.

وبعد مرور خمس سنوات، يبدو أن البريطانيين بدأوا بمراجعة قرارهم الذي أدى إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، ويودون الآن العودة إلى العائلة الأوروبية، وإن كانت الأحزاب السياسية ترفض الخوض حاليا في هذا الموضوع. فمن جهة، يلتزم حزب العمال الحاكم الصمت، ولا يريد فتح النقاش حول الموضوع، على الرغم من أن أمينه العام ورئيس الحكومة الحالي كير ستارمر صوت لصالح البقاء في استفتاء 2016، ومن جهة أخرى، يرى حزب المحافظين، أن البريكسيت كان قرارا صائبا.

غير أن التطورات التي تجري في بريطانيا وفي العالم بدأت تفرض وستفرض بقوة عودة الجدل حول، هل كان القرار صائبا أم لا، وهل يمكن العودة إلى العائلة الأوروبية. مثل باقي الدول الديمقراطية، عادة ما تعكس المؤسسات البريطانية الرأي السائد في المجتمع، لاسيما في بلد يحترم الانتخابات ويقدّر صوت الناخب، الذي من خلاله تصل الأحزاب إلى رئاسة الحكومة وباقي المؤسسات التنفيذية. وأخذا بعين الاعتبار آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة «يوغوف»، سنلاحظ أن أنصار الاتحاد الأوروبي يزداد عددهم عاما بعد عام.

ويبرز ملخص استطلاعات السنة الجارية 2025، أن 55% من البريطانيين يرون ضرورة العودة للانخراط في الاتحاد الأوروبي، بينما يعتبر 60% أن قرار البريكسيت كان خاطئا، علما أن نسبة المصوتين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 كانت نحو 52%.

في المقابل، لا يتجاوز المؤيدون في الوقت الراهن لاستمرار البريكسيت 31%. وتشير نتائج الاستطلاع أيضا إلى أن حتى بين أولئك الذين صوتوا لصالح الخروج في عام 2016، هناك شريحة متزايدة بدأت تدرك التكاليف والمضاعفات، التي أفرزها هذا الانفصال، مما يعزز الميل نحو إعادة النظر في القرار. وبما أن الشباب يمثل عماد المستقبل، فقد أظهر الاستطلاع أن 75% من الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة، والذين لم يصوتوا في عام 2016 لعدم بلوغهم السن القانوني، يرون أن قرار الخروج كان خاطئاً ويؤيدون العودة إلى الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يكون للشباب دور محوري في الحسم مستقبلا، بشأن العودة أو البقاء خارج الاتحاد الأوروبي.

لقد اقتنعت غالبية البريطانيين أن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي جلب مزيدا من البطالة وتسبب في ارتفاع الأسعار وعدم النمو، بل إنه وفقًا لتقديرات مكتب الميزانية المالية البريطاني (OBR)، فإن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني هو منخفض بنسبة 4-5% مما لو كان قد بقي في الاتحاد الأوروبي.

جيوسياسيا، راهن أنصار البريكسيت في الدولة العميقة في بريطانيا على رفع مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة كما كان عليه الشأن، غداة الحرب العالمية الثانية. ولم يحصل هذا السيناريو، وعلى الرغم من استمرار العلاقة متينة بين لندن وواشنطن، إلا أن هذه العلاقة لا يختلف كثيرا عن العقود الأولى من القرن التاسع عشر، عندما بدأت واشنطن ترسم سياستها الخارجية والدفاعية بشكل فردي ومنها «عقيدة مونرو»، التي حالت دون استعمار بريطانيا وفرنسا لبعض مناطق أمريكا الجنوبية والكاريبي.
لن تجد بريطانيا أحسن من العودة إلى العائلة الأوروبية مجددا

وهكذا، في عالم يعيش حربا باردة جديدة بين الغرب والثنائي الصين وروسيا والدول التي تدور في فلكهما، وأمام رغبة واشنطن الانفراد بقرارات، من دون الاعتماد على حلفائها وشركائها في الغرب، لن تجد بريطانيا أحسن من العودة إلى العائلة الأوروبية مجددا. وتدرك لندن أنها هدف رئيسي لموسكو في أي حرب، ويكفي أنه تجري بينهما حرب باردة الآن.

ونظرا لانشغال الولايات المتحدة بالصين بالدرجة الأولى، فإن بريطانيا ستجد نفسها مضطرة، رغم وجود الناتو، إلى تطوير علاقاتها إلى مستوى العودة إلى الاتحاد الأوروبي لمواجهة الخطر الروسي. ولا تمنع قوانين الاتحاد الأوروبي عودة أي دولة إلى العائلة الأوروبية، لاسيما وأن بريطانيا تتوفر على جميع الشروط المنصوص عليها في الفصل 49 من الوثيقة التأسيسية لهذا التكتل. عمليا، لن تكون عودتها سهلة، بل بشروط صعبة لن تمنحها تلك الامتيازات التي تمتعت بها في عضويتها الأولى منذ 1973 إلى 2020.

في غضون ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود جبهة مؤسسية ذات أجندة رسمية للعودة إلى الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، إلا أن أصوات السياسيين البارزين والقادة الاجتماعيين والمثقفين المؤيدين للعودة إلى الاتحاد الأوروبي اكتسبت حضوراً وظهوراً أكبر في النقاش العام البريطاني في عام 2025. وهذا سيفرض على الطبقة السياسية ترجمته إلى واقع مستقبلا. وقد سبق أن صرح نيك كليج نائب الوزير الأول السابق وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، بأنه لا يمكن تحدي الجغرافية في علاقة بريطانيا بأوروبا.

شعور البريطانيين بنوع من اليتم الجيوسياسي، بسبب تطورات الحرب الباردة الآخذة في التبلور وارتفاع تكاليف الحياة من العناصر الرئيسية التي ستدفع بعودة بريطانيا إلى العائلة الأوروبية خلال السنوات المقبلة. لا يوجد شك حول هذه العودة المرتقبة، ولكن السؤال المعلق متى بالضبط؟

القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل