قضايا وآراء

هل نفتقر إلى قيم تأسيسية أم فراعنة في بلادنا؟

محمد عطا
في واقع الأمر لا نحتاج إلى نظم بديلة بل في حاجة إلى قيم تأسيسية نُقيم عليها وطنًا يتمتع بقدر من الاحترام وبقدر من الثقة..
في واقع الأمر لا نحتاج إلى نظم بديلة بل في حاجة إلى قيم تأسيسية نُقيم عليها وطنًا يتمتع بقدر من الاحترام وبقدر من الثقة..
لماذا لا نثق في أنظمتنا؟

كانت واقعة إقالة ترامب لإريكا ماكينتارفر، رئيسة مكتب إحصاءات العمل التي أقرها مجلس الشيوخ الأمريكي، لأنها قدمت له تقريرا اقتصاديا لم يعجبه، أمرًا خطيرا كما وصفه توماس فريدمان في مقاله الأخير على نيويورك تايمز، والأخطر كما يقول فريدمان هو موافقة المسؤولين الاقتصاديين في إدارة ترامب ـ والذين لم يخطر ببالهم قط أن يقيلوا موظفا لأنه قدم له بيانات لم توافق رغبتهم ـ ورغم ذلك لم يعترض أحد منهم على الإجراء الذي اتخذه ترامب.

الموظفة التي أشارت في تقرير رسمي إلى تراجع في الوظائف آخر شهرين بالإضافة إلى ارتفاع البطالة إلى 4.2%، لم تُعجب ترامب الذي يَعِد يوميا بما هو "عظيم ورائع" فقام بإقالتها..

يتساءل فريدمان "في المستقبل، كم عدد البيروقراطيين الحكوميين الذين يجرؤون على نقل الأخبار السيئة عندما يعرفون أن رؤساءهم ـأشخاص مثل وزير الخزانة؛ ومدير المجلس الاقتصادي الوطني؛ ووزير العمل؛ والممثل التجاري للولايات المتحدة لن يفشلوا في الدفاع عنهم فحسب، بل سيقدمونهم كقربان لترامب للحفاظ على وظائفهم؟".

ما الذي يمكن أن نثق به إذا كانت الأرقام مُسيسة؟ وهي الشيء الوحيد الذي يجب أن يٌقدم بشكل متجرد لا علاقة له برضا المسؤول أو غضبه..

إلى هذا القدر انزعج فريدمان الذي عنون مقالته بأن أمريكا التي يعرفها تسير نحو الهاوية، وهو الشخص الذي ربما لم يكتب نفس الشيء عندما يرى أطفال غزة تموت جوعاً بعدوان إسرائلي مغلف بغلاف أمريكي، وهنا ألا يجدر بنا أنقف وننظر إلى هؤلاء كيف يفكرون ولماذا أمريكا هي التي في الصدارة ونحن في القاع؟

الأمر باختصار ليس مسألة إنسانية من أو أخلاقية فهذه لها حديث آخر، ولكن الأنظمة تفسد من داخلها وتفقد قيمتها عندما تتخلى عن قيمها التي تأسست عليها و هو ما يصيب أصحابها بالقلق عليها، والولايات المتحدة قامت على أساس حاسم أنها صاحبة الصوت الموثوق والبيانات الصحيحة ولذا يخشى أبناؤها من انهيار هذه الثقة، بينما لم تتأسس على جانب إنساني أخلاقي ولذا دمار مدينة مثل غزة ربما لن يؤثر فيها بهذا القدر.
إن الرجل لا يعبأ إن كان دمار دول كامل أو حدوث كوارث إنسانية خارج عن نطاق جغرافيته هو ويصيب دول تعادي أمريكا أو في هلاكها مصلحة للولايات المتحدة، لكنه يغضب إن تمت إقالة موظف داخل "السيستم" الأمريكي بطريقة غير صحيحة فهذا يؤدي لفقدان الثقة بأمريكا ككل!

الأمر باختصار ليس مسألة إنسانية من أو أخلاقية فهذه لها حديث آخر، ولكن الأنظمة تفسد من داخلها وتفقد قيمتها عندما تتخلى عن قيمها التي تأسست عليها و هو ما يصيب أصحابها بالقلق عليها، والولايات المتحدة قامت على أساس حاسم أنها صاحبة الصوت الموثوق والبيانات الصحيحة ولذا يخشى أبناؤها من انهيار هذه الثقة، بينما لم تتأسس على جانب إنساني أخلاقي ولذا دمار مدينة مثل غزة ربما لن يؤثر فيها بهذا القدر.

لا أكتب حتى أقارن الأمر بغزة بل لأقول ماذا عن أنظمتنا؟ على أي قيم وعلى أي قوانين قامت؟ ولا أقول ما القيم التي فقدتها بل ما القيم التي تحافظ عليها أصلا؟.. الجواب لا شيء.. نحن لدينا البيانات مسيسة والأحكام مسيسة والإعلام مسيس ومجلس النواب ومجلس الشيوخ مسيس، حتى خطبة الجمعة.

ثم بعد هذا كله يخرج علينا من يقول أن أعداء الوطن يريدون أن يُفقدوكم الثقة في وطنكم؟ هل أصبحت أنت وطننا؟ من أنت؟ حتى الوطن في بلدنا أصبح هو الآخر مصطلح سياسي.. الله المستعان.

إن هذه المنظومة ليس من الصعب التنبؤ بسقوطها ونحن في واقع الأمر لا نحتاج إلى نظم بديلة بل في حاجة إلى قيم تأسيسية نُقيم عليها وطنًا يتمتع بقدر من الاحترام وبقدر من الثقة.. هذا وفقط وليحكمنا بعد ذلك أحد موظفي البريد لا بأس فبلا شك سيكون حكمه أرشد من الحكم الحالي!

التعليقات (0)

خبر عاجل