كتاب عربي 21

شكوك حول تحقق أرقام الاستثمار السعودي بأمريكا

ممدوح الولي
"مذكرات تفاهم وليست اتفاقيات نهائية، أي أنها قابلة للتنفيذ أو عدم التنفيذ"- الأناضول
"مذكرات تفاهم وليست اتفاقيات نهائية، أي أنها قابلة للتنفيذ أو عدم التنفيذ"- الأناضول
عوائق متعددة تحول دون تحقق إعلان ولي عهد السعودية، اعتزامه رفع قيمة الاستثمارات السعودية الجديدة في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، أولها اعتماد الفوائض المالية السعودية على حصيلة الصادرات البترولية السعودية، وهي الصادرات التي يتوقع أن تشهد تراجعا بسبب انخفاض أسعار النفط، وتذبذب أداء ميزان المدفوعات السعودي ما بين الفائض والعجز، وضعف قيمة الاستثمار الأجنبي الخارج من السعودية في السنوات الأخيرة، وصعوبة تركز استثمارات صندوق الاستثمارات السعودي في سوق واحد على حساب التنويع بالأسواق التي يستثمر بها.

أولا: اعتماد الصادرات على النفط: حسب بيانات منظمة أوبك لعام 2023، فقد احتلت السعودية المركز الثاني في إنتاج خام النفط بعد الولايات المتحدة، بنسبة 13.1 في المائة من الإنتاج العالمي، والمركز الأول في صادرات الخام بنسبة 10.5 في المائة من الصادرات الدولية، بينما جاءت في المركز السابع في صادرات المشتقات النفطية، لتشغل المركز الثاني دوليا في تصدير الخام والمشتقات معا بعد الولايات المتحدة، وبنسبة 10.6 في المائة من الصادرات الدولية.

ورغم احتلال السعودية للمركز الثامن دوليا في الغاز الطبيعي المسوق، إلا أنها تستهلك في الداخل كل تلك الكميات. وحتى العام الماضي كان النفط يمثل نسبة 73 في المائة من مجمل قيمة الصادرات السلعية بخلاف صادرات البتروكيماويات، ومن هنا تتأثر قيمة الصادرات السلعية السعودية بسعر النفط العالمي صعودا وهبوطا، وتسبب انخفاض سعر البرميل دوليا في العام الماضي عما كان عليه في العام الأسبق بتراجع قيمة الصادرات السلعية السعودية.

الانخفاض الذي حدث في سعر النفط في العام الحالي سينعكس على قيمة الصادرات السعودية عموما، مما يقلل من الفوائض في الميزان التجاري والتي تعد الرافد الأكبر لتحقيق فوائض في الميزان الكلي للمدفوعات، في ظل العجز المزمن لتجارة الخدمات السعودية، وكذلك العجز المزمن في حساب الدخل الثانوي

73.5 في المائة للنفط بالصادرات السعودية

وفي العام الماضي وحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودي، فقد بلغت قيمة الصادرات الكلية 305.5 مليار دولار. وتضمن التوزيع النسبي لسلع الصادرات: 73.5 في المائة للمنتجات المعدنية والمقصود بها النفطية، و7 في المائة لمنتجات الصناعات الكيماوية و6 في المائة للدائن ومصنوعاتها، و4 في المائة للآلات والأجهزة الكهربية وأجزائها، و3 في المائة للعربات والبواخر ومعدات النقل، و2 في المائة للمعادن العادية ومصنوعاتها، وأقل من 1 في المائة لمنتجات الصناعات الغذائية والمشروبات، ونفس النسبة للأحجار والمعادن النفيسة والمجوهرات وأقل من ذلك للحيوانات ومنتجاتها.

وهكذا فإن الانخفاض الذي حدث في سعر النفط في العام الحالي سينعكس على قيمة الصادرات السعودية عموما، مما يقلل من الفوائض في الميزان التجاري والتي تعد الرافد الأكبر لتحقيق فوائض في الميزان الكلي للمدفوعات، في ظل العجز المزمن لتجارة الخدمات السعودية، وكذلك العجز المزمن في حساب الدخل الثانوي بسبب تحويلات العمالة من السعودية إلى بلدانها الأصلية، والمعونات التي تقدمها السعودية لدول العالم، إلى جانب المنافسة الأمريكية للسعودية والدول المصدرة للنفط في الأسواق الرئيسة في آسيا وأوروبا، كما أنه ما زالت الكميات التي زادتها دول أوبك بلس مؤخرا محدودة، حيث زاد الإنتاج السعودي في نيسان/ أبريل الماضي عن آذار/ مارس بنحو 49 ألف برميل يوميا فقط.

ثانيا: تذبذب أداء الميزان الكلي للمدفوعات: حيث حقق ميزان المدفوعات عجزا في العام الماضي بلغ 49 مليار دولار، في عودة لتحقيق العجز مثلما حدث عام 2020 بقيمة 48 مليار دولار حينذاك.

سعر النفط والعجز بميزان المدفوعات

وخلال العام الماضي بلغت موارد النقد الأجنبي التي تصل للسعودية من كافة المصادر داخل ميزان المدفوعات السعودي، بحسب ما هو مُعلن من قبل البنك المركزي السعودي، 473 مليار دولار، وقد جاءت من أربعة مصادر رئيسة، أكبرها الصادرات السلعية البالغة 306 مليار دولار، و55 مليار دولار للصادرات الخدمية من سياحة ونقل وخدمات مالية واتصالات وغيرها، و72 مليار من الاستثمارات الخارجية الداخلة بأنواعها؛ من استثمار مباشر واستثمار حافظة في البورصة واستثمارات أخرى متمثلة في الودائع والقروض، و40 مليار دولار من فوائد الاستثمارات المباشرة والحافظة والاستثمارات الأخرى في الخارج.

وبلغت قيمة الشق المقابل الخاص بالمدفوعات للخارج من العملات الأجنبية 521 مليار دولار، موزعة على عدة بنود؛ أعلاها الواردات السلعية بقيمة 215 مليار دولار، و102 مليار للخدمات المدفوعة؛ من سياحة في الخارج ونفقات خدمات نقل بأنواعه في الخارج، وخدمات تشييد واتصالات وخدمات مالية وتأمينية وحكومية، و46 مليار تحويلات من العمالة الأجنبية العاملة في السعودية لبلدانها الأصلية، و5 مليارات معونات حكومية للدول الأخرى، ومثلها تحويلات شخصية أخرى، و34 مليار دولار فوائد مدفوعة عن الاستثمارات الأجنبية الموجودة في البلاد؛ بأنواعها من استثمار مباشر وفي البورصات وودائع وقروض.

وهكذا يكون الميزان الكلي للمدفوعات قد حقق عجزا في العام الماضي بلغ 49 مليار دولار، كفرق بين المدفوعات البالغة 521 مليار دولار والموارد البالغة 473 مليار دولار، وهو الأمر الذي يمكن أن يتكرر في العام الحالي، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي بلوغ متوسط سعر برميل النفط في العام الحالي 66.9 دولار مقابل 79.2 دولار في العام الماضي، كما توقع استمرار الانخفاض في العام المقبل إلى 62.3 دولار للبرميل، الأمر الذي يزيد من صعوبة توافر فوائض مالية يمكن استثمارها في الخارج، سواء في الولايات المتحدة أو في غيرها.

صغر قيمة الاستثمارات السعودية الخارجة

ثالثا: صغر قيمة الاستثمارات السعودية الخارجة: فحسب بيانات أونكتاد المعنية ببيانات الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد بلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من السعودية، خلال السنوات العشر الأخيرة الممتدة من 2014 وحتى 2023، نحو 134 مليار دولار، وهو ما يعني متوسطا سنويا 13.4 مليار دولار للاستثمارات المباشرة الخارجة لجميع دول العالم بما فيها السوق الأمريكية.

وحسب بيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، فقد بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة من السعودية إلى الولايات المتحدة في عام 2020؛ نحو 6.395 مليار دولار، وفي العام التالي 6.387 مليار دولار، وفي 2022 نحو 6.909 مليار دولار، وفي عام 2023 نحو 7.519 مليار دولار.

وهنا سيذكر البعض أن صندوق الاستثمارات السعودي قد بلغت قيمة أصوله بنهاية العام الماضي 978 مليار دولار، كخامس صندوق ثروة سيادي من حيث القيمة، لكن هذا الصندوق تمثل نسبة كبيرة من أصوله استثمارات محلية، كما أنه من غير المعقول أن يسيل معظم أصوله لتحويل قيمتها للسوق الأمريكية، كما يتبع سياسة التنويع في الجهات التي يقوم بالاستثمار بها خارجيا، خاصة وأن الأسواق الآسيوية تمثل في نفس الوقت المستقبل الأول للنفط السعودي، كما يسعى لزيادة صادراته الأوروبية وبالتالي يسعى لتعضيد علاقاته بها من خلال الاستثمار بها.
صندوق الاستثمارات السعودي قد بلغت قيمة أصوله بنهاية العام الماضي 978 مليار دولار، كخامس صندوق ثروة سيادي من حيث القيمة، لكن هذا الصندوق تمثل نسبة كبيرة من أصوله استثمارات محلية، كما أنه من غير المعقول أن يسيل معظم أصوله لتحويل قيمتها للسوق الأمريكية، كما يتبع سياسة التنويع في الجهات التي يقوم بالاستثمار بها خارجيا




كذلك عندما يرى البعض أن هناك احتياطيات من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي السعودي بلغت 454 مليار دولار حتى آذار/ مارس الماضي، فإن أموال الاحتياطيات عادة ما تتجه لسبل استثمار عالية السيولة لتعظيم جانب التحوط وإمكانية سرعة تسييل تلك الأصول، ولهذا تتجه لسندات الخزانة الأمريكية وليس للاستثمار المباشر.

رابعا: عجز متواصل في الموازنة السعودية: سيؤدي الانخفاض المتوقع لسعر النفط في العام الحالي، في ضوء ضغوط الرئيس الأمريكي على دول أوبك بلس لزيادة الإنتاج، إلى عدم الوفاء باحتياجات الموازنة السعودية لتحقيق نقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات، فإذا كان صندوق النقد الدولي يتوقع 67 دولارا للبرميل في العام الحالي، فإن مؤسسة بلومبرج ترى أن الموازنة السعودية تحتاج لسعر برميل 92 دولارا كي تحقق نقطة التعادل.

ولهذا فقد توقع صندوق النقد الدولي استمرار العجز في الموازنة السعودية في العام الحالي وفي السنوات الأربع المقبلة وحتى عام 2030، وهو العجز الموجود منذ عام 2014 وحتى العام الماضي ولم ينقطع سوى عام 2022 فقط.

كما يمكن أن يؤثر انخفاض سعر النفط على الحساب الجاري إلى الناتج المحلى الإجمالي، بزيادة نسبة العجز فيه من نصف في المائة بالعام الماضي إلى 4 في المائة بالعام الحالي وإلى 4.3 في المائة بالعام المقبل حسب توقعات صندوق النقد الدولي.

خامسا: مذكرات تفاهم وليست اتفاقات نهائية: تشير طبيعة الكثير من الاتفاقات التي تم الإعلان عنها خلال تواجد الرئيس الأمريكي في الرياض، لكون معظمها مجرد مذكرات تفاهم وليست اتفاقيات نهائية، أي أنها قابلة للتنفيذ أو عدم التنفيذ مثلما حدث باتفاقيات مؤتمر الاستثمار المصري بشرم الشيخ في آذار/ مارس 2015، والتي كان معظمها مذكرات تفاهم لم تتحقق. ونفس الأمر مع حشد الكثير من رجال الأعمال خلال المنتدى الاقتصادي الذي تحدث فيه ترامب في الرياض، مثلما فعلت السعودية أكثر من مرة منذ عام 2013 في مصر بحشد رجال الأعمال السعوديين لحضور مؤتمرات في مصر للاستثمار بها دون أن تسفر عن تحقق شيء ملموس على الأرض.

x.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)