ساري عرابي يكتب: تحوّل التعاطف مع ضحايا الإبادة، إلى استخدام هؤلاء الضحايا لإدانة المقاومة الفلسطينية، وتجريدها من كونها ضحية، وعزلها عن بقية الفلسطينيين الواقعة عليهم الإبادة، وبينما لا يمكن القول إنّ جميع أصحاب هذا الخطاب واعون بمعنى مقالتهم ومنتهاها، فإنّ ذلك قطعا ينمّ عن حالة ذهنية تعاني إعاقة في الوعي بإسرائيل وحقائق الصراع، وقصورا أخلاقيّا واضحا في كيفية ترتيب الموقف الخطابي إزاء الأحداث، وضمورا مريعا في الموقف من الاستعمار الأجنبي
ساري عرابي يكتب: أخذ كلّ الاحتمالات الخطرة بعين الاعتبار، بما في ذلك أن تُقْدِم إسرائيل على توسيع عدوانها في غزة، أو تنفيذ عمليات أمنية كبيرة تتقصد اغتيالات في الخارج أو استنقاذ الأسرى من داخل غزة، أو أن تتجه لعدوان آخر في المنطقة، إلا أن ثمة ما يدفع نحو أخذ هذه التسريبات عن النقاشات الإسرائيلية بعين الاعتبار، وهو عدم قدرة إسرائيل على حسم خياراتها في غزّة
ساري عرابي يكتب: من المحتمل أن يكون ترامب قد تعلّم من نتنياهو حكاية السلام الذي لا تأتي به إلا القوّة، ثمّ هو في غنى بعد ذلك أن يسأل عن السلام المفروض، أي سياسات الإخضاع والهيمنة، إن كان أخلاقيّا أم لا، لأنّ أمريكا، أصلا، لا تفكر في أخلاقيات الهيمنة والأخضاع، لأنّ ذلك جزء من تكوينها الماهوي الذي لا فكاك لها عنه، فكيف إن كان على رأسها رجل مثل ترامب، يقول الإسرائليون عنه إنه يتفوق على نتنياهو بلادة ونرجسية؟!
ساري عرابي يكتب: بقطع النظر عن نتيجة المواجهة القائمة ومساراتها، فإنّ الاستفادة من ذلك كله، دائما ما تكون معكوسة لدى العديد من النخب العربية المساهمة في النقاش العام، فبدلا من الوعي بمعنى التفوق الإسرائيلي الإقليمي هذا الذي يحرم المنطقة من إمكانيات الاستقلال والتحرر لأجيال قادمة، يصير التحذير من خطورة معاندة أمريكا وإسرائيل، أو التركيز الساخر على العنتريات الفارغة، بدلا من نقد الاستعداد الإيراني القاصر، وبدلا من التفكير في السبل الصحيحة للتحرر من الهيمنة الإسرائيلية/ الأمريكية على هذه المنطقة التي تحرم أحفادنا من حقهم في امتلاك إرادتهم المستقل
ساري عرابي يكتب: الموضوع يبدأ من غزة، راهنا الآن يتكثف في غزة، وإن كان في الأصل يبدأ من فلسطين كلها، ليست السفينة هي الموضوع، وإذا كان الأمر كذلك، فلنطرح الأسئلة التي تبدو ساذجة أوّل الأمر: لماذا الفلسطينيون تحديدا الذين يمكن إدامة الإبادة عليهم منذ أكثر من 600 يوم؟! والجواب ببساطة لأنّهم فلسطينيون، ولأنّ من يُجري الإبادة عليهم هي إسرائيل، بيد أنّه لا يمكن فصل كونهم فلسطينيين عن كونهم عربا
ساري عرابي يكتب: يُشبّه العديد من المراقبين هذه الضربة الأوكرانية لروسيا، بضربات البيجر التي استهدفت بها إسرائيل آلاف المقاتلين من حزب الله مرّة واحدة، مما كان له قدرة فائقة على إرباك الحزب، وإخراج آلاف العناصر من الخدمة، الكثير منهم في مواقع مفصلية في القيادة والسيطرة وعُقد التواصل العسكري والأمني والتنظيمي، علاوة على النتائج المعنوية والدعائية المترتبة عليها
ساري عرابي يكتب: بعدما تجلّى الظلم التاريخي بنحو فاحش وغير مسبوق بحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، فإنّه وبدلا من الالتفات إلى فلسطين، بوصفها محورا صالحا لتشييد مشروع كوني لمواجهة اختلال العالم، فقد تمكن الإسرائيلي، بلا أدنى كابح من الاستمرار 18 شهرا، حتى الآن، في حرق أكثر من مليوني فلسطيني وتجويعهم في مساحة مغلقة
ساري عرابي يكتب: يحيل هذا المنطق إلى المعنى من وجود الحركة الإسلامية سياسيّا، أي ماذا تريد؟! وما هي رؤيتها؟! طالما أنّها مستعدة أن تسوّغ لنفسها، في لحظات معينة، كلّ ما تأخذه على غيرها، يتضح ذلك من موقف ظاهر لأوساط إسلامية واسعة من سياسات وخيارات العهد الجديد للحكم في سوريا، والذي وإن كان سليل حركة جهادية، وناجما عن ثورة، فإنّه يختار الانخراط بعمق في النظام الإقليمي وأبعاده الدولية، ولا يرى خيارا أفضل للاستمرار، أو بحسب بعض المفاهيم الإسلامية الأثيرة لـ"التمكين"
ساري عرابي يكتب: القضية بالنسبة للإسرائيلي، ليست أنّه ممنوع عليك أن تكون صحافيّا حرّا صادقا منحازا إلى شعبك وملتحما بهم فحسب، يبدو أنّه ممنوع عليك وجودك، ممنوع أن تحيا
ساري عرابي يكتب: الواضح أنّ ثمّة إجماعا عربيّا على كون التفسير الوحيد لمفهوم الأمن القومي العربي؛ هو التخلّي عن الفلسطينيين مرّة واحدة وإلى الأبد، ولو كانت الطريق إلى ذلك إبادتهم في غزّة، ليكونوا عبرة لبقيتهم الفلسطينية، وعبرة لكل من يعود ويعادي إسرائيل في أيّ بلد عربيّ كان
ساري عرابي يكتب: المسألة فيزيائية في هذه القضية الأخلاقية، فالتخلّي عن فلسطين التي افترسها المشروع الصهيوني في سياق الهزائم العربية سقوط أخلاقي، ولمّا استمرّ هذا السقوط، بلا كابح، كان لا بدّ أن يرتطم بأوضع نقطة يمكنه أن ينتهي إليها..
ساري عرابي يكتب: من تصدّى لهذه الخطابات، أو التفت إلى جوانب أخرى من الحدث، لا يرفض بالضرورة مراجعة حسابات منفذي السابع من أكتوبر، وليس بالضرورة أن يكون ممن يدّعي أنّنا في لحظة انتصار، والأمر ينبغي أن يكون أظهر من أن يستدعي توضيحا، ولكنّ تعمّد الخلط، والهوس بحشر المخالفين في سلة واحدة، والتمركز حول وساوس الذات، في حدث مهول كهذا، يتوقف بصاحبه عند إدانة الضحية..
ساري عرابي يكتب: ما يستدعي التذكير بالواضحات، هو عمليات التضليل الإعلامي العميق التالية على الجرائم الإسرائيلية، والتي تفضي آخر الأمر إلى تبرئة إسرائيل من المحرقة المفتوحة التي لا تنوي إيقافها على الفلسطينيين في قطاع غزّة. عمليات التضليل هذه تتصل بالدعايات إياها منذ بداية الحرب، والتي تتذرع بنقد حماس وخياراتها وحساباتها ورهاناتها التي وقفت خلف قرار السابع من أكتوبر؛ لتحويل الإدانة عن المجرم إلى الضحية
ساري عرابي يكتب: ماذا يعني أن تصف دولة عربية أخرى نفسها بأنّها كبرى، في الخطاب الشعبوي الذي تُدفع إليه لجانها الإلكترونية وكتّابها منعدمو الموهبة، وهي غير قادرة على اتخاذ موقف عروبي، يطابق معنى وجودها، تجاه المذبحة الواقعة على الفلسطينيين في غزّة؟! وعلاوة على التطلع البادي للتطبيع مع هذه الدولة (أي إسرائيل) التي ينبغي أن تخجل أيّ دولة عربية من الاقتراب منها، لانعدام مبررات وجودها، ما الكبير في أن تكون عاجزا إلى هذه الدرجة، فتسخّر إعلامك للحطّ من الضعيف الذي سعى لاسترداد قضيته، سواء أصابت حساباته أم أخطأت؟!
ساري عرابي يكتب: من أوجه اختلال موازين القوى هو الإبادة السياسية التي فُرِضت على القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة، وهذه الإبادة كانت تتطلب مواجهة ما، ولكن هذه المواجهة ستكون بالضرورة محكومة إلى هذا الاختلال الذي لا يخدمها. وهذه عقدة اللحظة الراهنة، الممتدة في التاريخ النضالي الفلسطيني كله منذ فجر التاريخ، أي إنّ موازين القوى دائما كانت لصالح العدوّ، لكن اليوم تأخذ موازين القوى شكل الإبادة السياسية، مما يجعل خيارات الفلسطينية أقرب إلى الاستحالة