اقتصاد دولي

بعد سنوات من الصعود... لماذا تنهار العملات المشفرة اليوم؟‎

المستثمرين لا يواجهون صعوبة في الحصول على البيتكوين- الأناضول
بدأت أسعار العملات المشفّرة بالتراجع الحاد بعد موجة صعود تاريخية، وسط تحذيرات من غياب رؤية جديدة تدعم استمرار ارتفاع السوق، في وقت تشير فيه تقديرات اقتصادية إلى أن الانخفاض المفاجئ قد ينعكس على قطاعات مالية أخرى مع توسّع ارتباط البيتكوين بأسهم التكنولوجيا.

ونشرت مجلة "الإيكونوميست" تقريرًا يسلط الضوء على تراجع أسعار العملات المشفرة، معتبرة أن هذا القطاع يفتقد إلى رؤية جديدة يمكن أن تدعم المكاسب التي حققها على مدى السنوات الماضية.

وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن العملات المشفرة التي بدأت قبل نحو 17 عاما بظهور البيتكوين، تمكنت من ترسيخ مكانتها في النظام المالي العالمي بسرعة تفوق أي أصل آخر، رغم أنه لا يمكن استخدامها على نطاق واسع مثل العملات التقليدية.

وأضافت المجلة أنّ صناعة العملات المشفّرة التي كانت في فترة ما موضع سخرية وهدفًا لعداء صريح من الجهات التنظيمية، أصبحت مقبولة على نطاق واسع.

فقد بدأت البنوك وشركات إدارة الأصول بإطلاق منتجات خاصة بها، وحصلت العملات المستقرة على مزايا تنظيمية من المشرّعين الأمريكيين، فيما أضحى بعض المنظّمين الأمريكيين متحمسين للعملات المشفّرة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، بلغت القيمة السوقية للبيتكوين ذروة قاربت 2.5 تريليون دولار.

لكن رغم كل ذلك، بدأت الأسعار بالتراجع، فقد هبطت قيمة البيتكوين من أعلى مستوى لها عند نحو 126 ألف دولار في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، إلى قرابة 93 ألف دولار حاليا.

نمط متكرر
وترى المجلة أنه بالنسبة لأصل يقوم على المضاربة ويعتمد فقط على الآمال بتحقيق مكاسب رأسمالية مستقبلية، فإن غياب رؤية جديدة تدعم ارتفاع الأسعار يمثّل تحديًا كبيرا.

ومن الصعب -وفقا للمجلة- توقّع مستقبل البيتكوين، لكنّ هناك نمطا واضحا في موجات صعود السعر خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتبط كل ارتفاع كبير بحالة من التفاؤل عن اتساع القبول التنظيمي.

في عامي 2020 و2021 تزامنت سياسات الإغلاق بسبب كورونا وسخاء الإنفاق الحكومي مع توسّع الوسطاء التقليديين في تقديم خدمات تداول العملات المشفّرة. ومنذ أواخر 2023 بدأت الآمال تتزايد بشأن إطلاق صناديق المؤشرات المتداولة للعملات المشفّرة.

وبالفعل وافقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على أولى طلبات هذه الصناديق في كانون الثاني/ يناير 2024. كما منح فوز دونالد ترامب في الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه دفعة إضافية للبيتكوين.

وأضافت المجلة أنّ المستثمرين اليوم لا يواجهون صعوبة في الحصول على البيتكوين، إذ يتيح الوسطاء في معظم أنحاء العالم الوصول إلى مجموعة واسعة من الأصول المشفّرة لأي شخص يملك هاتفًا.

كما رحّب المتحمسون للعملات المشفّرة هذا الشهر بخبر شراء البنك المركزي التشيكي ما قيمته مليون دولار من البيتكوين وعملات مشفّرة أخرى.

لكن هذه الصفقة لا تكاد تُذكر مقارنة باحتياطيات البنك البالغة 171 مليار دولار، ولا تزال معظم البنوك المركزية تستبعد إدراج الأصول الرقمية ضمن احتياطياتها، ومن الصعب توقّع تغيّر موقفها، وفقا للمجلة.

تبعات تراجع البيتكوين
أكدت المجلة أنّ أي انهيار للعملات المشفّرة سيكون له تأثيرات أوسع نطاقا من السابق، مضيفة أن المستثمرين الأكثر تضررا من التراجع الأخير للأسعار هم أولئك الذين تصرفوا وكأن الطفرة لن تنتهي أبدًا.

يشمل ذلك شركة "ستراتيجي" التي يملكها مايكل سايلور، وهي شركة برمجيات اقترضت لتكديس ما يقارب 60 مليار دولار من البيتكوين. وللمرة الأولى منذ عامين، باتت القيمة السوقية للشركة أدنى من قيمة ما تملكه من بيتكوين، ما يشير إلى احتمال حدوث عمليات بيع واسعة النطاق.

واعتبرت المجلة أنّ الخطر الأكبر يكمن في انتقال المزاج السلبي السائد في سوق العملات المشفّرة إلى أسواق أخرى. فمنذ عام 2020 أصبح البيتكوين أقل تقلبًا مما كان عليه سابقا، لكنه بات أكثر ارتباطًا بأسهم التكنولوجيا.

ومع اتساع قاعدة مالكي البيتكوين، أصبحت العدوى أكثر شيوعًا، وقد يحدث ذلك تأثيرات في اتجاهين: التشاؤم بشأن ارتفاع أسعار أسهم التكنولوجيا قد يُضعف البيتكوين، أو قد يهرب المستثمرون في العملات المشفّرة من سوق الأسهم.

هل تتدخل الحكومة؟
وأوضحت المجلة أنّ البيتكوين ربما يكون قد استنفد معظم المحفّزات الواضحة لمزيد من الصعود، بدءًا من سهولة الاستثمار وصولًا إلى وضوح القوانين التنظيمية، لكن الأمور قد تتغير في أي لحظة.

وحسب المجلة، فإن المتحمسين للعملة المشفرة كانوا يأملون بالحصول على مكاسب أكبر من "الاحتياطي الاستراتيجي للبيتكوين" الذي أنشأه الرئيس ترامب في آذار/ مارس، لكن هذا الاحتياطي بقي منذ ذلك الحين أداة لجمع البيتكوين الذي تم الحصول عليه من عمليات مصادرة تقوم بها جهات إنفاذ القانون.

ويدعم بعض المشرّعين، ومن بينهم السيناتور الجمهورية المؤثرة سينثيا لوميس، المؤيدة للعملات المشفّرة، أن تقوم الحكومة بشراء المزيد من البيتكوين من السوق المفتوحة، وإذا استمر السعر في الانخفاض، فقد يعتبر المشرعون المدافعون عن العملة المشفرة ذلك فرصة ثمينة للشراء.


وتختم المجلة بأن احتمالات تدخل الحكومة في هذا السياق تبدو ضئيلة، لكن عندما يتعلق الأمر بالعملات المشفّرة وعالم السياسة، لا يمكن أبدًا استبعاد المفاجآت.