قررت الحكومة
المصرية تشكيل "لجنة متخصصة" من مسؤولين حكوميين وأكاديميين وصحفيين وإعلاميين ودبلوماسيين لإعداد "خارطة طريق لتطوير
الإعلام، تنفيذا لتعليمات رئيس النظام عبدالفتاح السيسي في آب/ أغسطس الماضي، وسط حالة من عدم التفاؤل بين الصحفيين مع ما يعيشه المشهد الصحفي والإعلامي وملف الحريات من انغلاق، لأكثر من 12 عاما.
أكد بيان مجلس الوزراء، الصادر الأحد الماضي، أكد أن دور اللجنة تحديد "المُستهدفات، وتوصيف الوضع، والتحديات، والجهات والأشخاص المنوط بهم تنفيذ الخارطة"؛ ذكر أسماء 67 شخصية، أثار اختيار بعضها جدلا وانتقادات لكونهم من صناع المشهد الإعلامي والصحفي الحالي بما يطاله من انتقادات، واخفاقات، واتهامات.
بين الحاضرين والغائبين
ورغم حضور نقيب الصحفيين خالد البلشي، الذي ترى فيه السلطات منافسا قويا وأطاح بمرشحيها على المنصب الأهم لدى جموع الصحفيين في دورتين نقابيتين متتاليتين؛ انتقد البعض تغييب شخصيات صحفية وإعلامية وكتاب لهم تأثيرهم وتاريخهم وأدوارهم السابقة، عن القائمة.
ولفت البعض إلى حضور أسماء مثيرة للجدل بآرائها في قضايا وطنية وعربية مثل ملف المقاومة الفلسطينية، وآخرين بأدوارهم في إدارة المشهد الصحفي والإعلامي الدرامي بما فيه من قصور وتراجع وانحيازات للسلطة وإهمال لقضايا وطنية وجماهيرية.
وذكروا أسماء: الدكتور عبد المنعم سعيد، ورئيس مجلس إدارة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" طارق نور، ورئيس قطاع الأخبار الأسبق بـ"ماسبيرو" عبداللطيف المناوي، والمنتج مدحت العدل، بجانب دبلوماسيين من خارج المجال وهما السفير: محمد بدر الدين زايد، وعبد الرحمن صلاح.
في
مقال له بـ"عربي21"، أشار الكاتب سليم عزوز، إلى غياب بعض الأسماء عن القائمة، ومنها وزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل، والكاتب الصحفي المحسوب على حرية
الصحافة والإعلام، فهمي هويدي.
وألمح للحضور الطاغي بـ8 أشخاص للشركة "المتحدة" المستحوذة على المشهد، بجانب رؤساء تحرير وقنوات، متسائلا: "كيف يُطلب من فاشلين وضع خطط لتطوير الإعلام؟"، مطالبا بـ"إزالة آثار العدوان على الصحافة والدراما والإعلام".
حلم التغيير وسط قيود
وبعيدا عن القائمة، تساءل كتاب وصحفيون حول: "الهدف من تلك اللجنة ودور القائمة وماهية هذا التطوير"، وأضافوا: "هل هي بداية لمنح الإعلام المصري الحرية المسلوبة منه على مدار 12 عاما؟، و"هل سيتبع نتائج أعمال اللجنة تمكين الصحفيين من الوصول للمعلومات وحرية نشرها وإذاعتها؟.
ولفتوا إلى وصول مصر لدرجات متدنية في مؤشر حرية الإعلام، والشفافية الدولية، وسط تراجع كبير في ملف الحقوق والحريات، واستمرار حبس الصحفيين، والتنكيل بأصحاب الرأي، والرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتراجع مستوى الصحافة والإعلام، وتدني أجور وأوضاع الصحفيين، وتملك الشركة "المتحدة" لأغلب الصحف والفضائيات الخاصة رغما عن ملاكها الأصليين، وحجب أكثر من 700 موقع إلكتروني وفضائية، والتضييق على نقابة الصحفيين.
ووفق منظمة "مراسلون بلا حدود"، تحتل مصر المركز 170 من 180 دولة بـ"
مؤشر حرية الصحافة" لعام 2025، فيما تأتي بالمرتبة 130 من بين 180 دولة بـ"
مؤشر مدركات الفساد" لهذا العام.
وتضع "
لجنة حماية الصحفيين"، مصر بالمرتبة السادسة عالميا من حيث عدد الصحفيين المعتقلين (17 صحفيا)، في 2024، فيما تؤكد نقابة الصحفيين حبس 25 صحفيا، في عدد يقل عن توثيق منظمات حقوقية لاعتقال عدد أكبر.
وبحسب تقرير "
المركز الإقليمي للحقوق والحريات"، ففي 2024، استمرت الممارسات المقيدة لحرية الصحافة، الصحفيين، مثل: "الحبس الاحتياطي، والمضايقات الأمنية، والمنع من التغطية، والاستدعاء للتحقيق، ورفض ترخيص المواقع، واستمرار حجب المواقع".
السيسي، الذي يدير الإعلام المصري عبر جهاز المخابرات العامة الملك للشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" انتقد مرارا أداءه، لكنه وفي مفاجأة غير مسبوقة في آب/ أغسطس الماضي، تحدث عن "إتاحة البيانات والمعلومات للإعلام"، داعيا لـ"الانفتاح على مختلف الآراء، بما يرسخ مبدأ (الرأي والرأي الآخر) بالمنظومة الإعلامية".
ما دفع مراقبين لتوقع أن يكون هذا الحشد لـ67 شخصية يأتي في سياق عدم رضا السيسي، عن أداء الإعلام والصحافة، وبهدف بحث دور الإعلام في الدفاع عن سياساته الفترة المقبلة، في ظل أزمات إقليمية وداخلية، وفي إطار رغبته الاستمرار بحكم البلاد بعد انتهاء ولايته الثالثة في 2030.
توجيهات ولا إبداع
في رؤيته لما يمكن أن تصل إليه اللجنة من تغيير بالمشهد الإعلامي، يقول الكاتب الصحفي والباحث الإعلامي خالد الأصور: "فاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يؤمن بحرية الإعلام لن يسمح بها".
وقال لـ"عربي21": "السيسي منذ البداية عبر عن النموذج الذي يؤمن به في إدارة الإعلام، وهو النموذج الناصري الشامل المالك لوسائل الإعلام والذي يوجهها، مع فارق الزمن والمرحلة والتكنولوجيا، فضلا عن فارق رهيب في الكفاءات والشخصيات تحسب للمرحلة الناصرية".
وأضاف: "حول هذا العدد الكبير جدا لأعضاء اللجنة وهو (67) شخصا لتطوير الإعلام، ثمة ملاحظة شكلية، وهي تذكيرنا بهزيمة عام 1967 وبيانات (الإعلامي) أحمد سعيد، في مناسبة انتصارات 6 أكتوبر 1973".
وخلص للقول: "وموضوعيا فإن هؤلاء فعلا هم من يديرون أغلب وسائل الإعلام، ولم نر منهم تطويرا، لسبب بسيط أن الإعلام يسير بالتوجيهات لا بالإبداع وإتاحة مساحات له، ولن تضيف هذه اللجنة الموسعة أي رصيد لحرية الإعلام".
العلاج: إصلاح سياسي شامل
رئيس "المرصد العربي لحرية الإعلام" قطب العربي، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الحشد تعبير عن شعور واضح بأزمة الإعلام المصري، وقد عبر السيسي نفسه عن امتعاضه من ضعف الإعلام مرات متعددة، متجاهلا أنه شخصيا السبب في ذلك".
وأضاف: "لقد حلم بإعلام يشبه إعلام عبدالناصر، وتحرك بالفعل لصنع هذا الإعلام من خلال الاستيلاء على القنوات والصحف الخاصة، وتأسيس قنوات جديدة ووضعها جميعا تحت إدارة الشركة المتحدة التابعة للمخابرات، وإدارتها من خلال أحد الضباط بالرسائل الجاهزة".
الأمين العام المساعد لـ"المجلس الأعلى للصحافة" سابقا، يرى أن "الإعلام المصري لا يعاني محض وعكة عابرة ولكنه شبه ميت، وإنفاق مليارات على البرامج الترفيهية والاجتماعية لن يصلح غياب الحرية".
وأكد أن "الإعلام سيظل على حالته طالما استمر النظام القائم دون تغيير، بداية العلاج هي إصلاح سياسي شامل يبدأ بإطلاق سراح المعتقلين ومن بينهم الصحفيين والإعلاميين، وإعادة الأحزاب والصحف والقنوات المغلقة، وفتح حرية التنافس السياسي والإعلامي، ساعتها سيزدهر الإعلام كجزء من حالة انفتاح عامة، كما كان الحال بعد ثورة 25 يناير 2011، أو في العهد الليبرالي قبل 1952".
وخلص للقول إن "هؤلاء المدعين لإصلاح الإعلام في اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء هم من شاركوا في الوصول إلى حالة الإعلام الحالية، وليس في إمكانهم إصلاح شيء، بل إن أحد شروط الإصلاح هي اختفاء هذه الوجوه نفسها".
الصحافة والإعلام في عهد السيسي
يؤكد مراقبون أن السيسي، الذي قاد انقلابا عسكريا في 3 تموز/ يوليو 2013، على أول تجربة مدنية ديمقراطية وأطاح بأول رئيس مدني منتخب الراحل محمد مرسي، قاد انقلابا ناعما على منظومة الإعلام والصحافة.
المشهد قبل السيسي، كان يتمثل في إعلام وصحافة الدولة، المتمثلة بمبنى "ماسبيرو" ومدينة "الإنتاج الإعلامي" وبعض شركات الإنتاج الدرامي، والصحف القومية كالأهرام والأخبار والجمهورية، بجانب الصحف والفضائيات الخاصة، التي امتلكت حرية التأسيس في عهد حسني مبارك، وحرية الرأي عقب ثورة 25 يناير 2011.
ويرصد مراقبون للمشهد المصري، قيام السيسي، ومنذ عام حكمه الأول 2014، عبر جهاز المخابرات العامة الذي يسيطر عليه نجله محمود السيسي، بشراء الصحف والفضائيات ومحطات الإذاعة والسيطرة على قطاعات الإنتاج الدرامي والسينمائي والإعلانات، عبر مجموعة "إعلام المصريين" برئاسة رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة.
في العام 2016، انتقلت إدارة تلك القطاعات لشركة "إيجل كابيتال للاستثمارات المالية" برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، الأمر الذي قابله إهمال تام لتليفزيون "ماسبيرو" وللصحف الحكومية وآلاف العاملين بهم.
استحوذت "إيجل كابيتال"، على قنوات "أون" من رجل الأعمال نجيب ساويرس، و6 صحف ومواقع أهمها "اليوم السابع"، وشركتين لإنتاج الأفلام والدراما، و7 وكالات تسويق وإعلان، لتضم لاحقا مجموعة قنوات "سي بي سي"، وصحيفة "الوطن" من رجل الأعمال محمد الأمين، لتظهر لاحقا الشركة "المتحدة للخدمات الاعلامية".
الكيان الجديد، استحوذ على قنوات؛ "أون" و"الحياة" و"دي إم سي" و"سي بي سي" وقنوات الدراما الخاصة بها، و"سي بي سي سفرة" و"الناس" و"مصر قرآن كريم"، و"المحور"، كما يدير قنوات "أون تايم سبورتس" و"تايم سبورتس" مع تأسيس منصة "ووتش إت".
وفي مجال الإعلام المسموع، استحوذت "المتحدة" على محطات راديو "نغم إف إم" و"ميجا إف إم" و"أون سبورت إف إم"، و"راديو 9090" و"شعبي إف إم"، بجانب إنشاء شركة "بريزنتيشن سبورتس" لتسيطر على مجال الدعاية والإعلان، مع "ميديا هب" و"سينرجي" و"بي أو دي".
ومن الصحف والمواقع المملوكة للشركة "اليوم السابع"، و"video 7" و"الوطن" و"الدستور" و"الأسبوع" و"مبتدأ" و"بيزنس توداي مصر" و"إيجيبت توداي" و"دوت مصر" و"صوت الأمة" و"المصري اليوم"، وغيرها.
الشركة التي وصفها صحفيون مع كثرة استحواذاتها وإصدارتها بـ"الأخطبوط"، سيطرت أيضا على قطاع صناعة الدراما والسينما، وسط تراجع لافت لشركات الإنتاج الخاصة التي صارت تعمل تحت إشراف ورقابة الشركة، وسط انتقادات.
خسائر وتعتيم
بعد 5 سنوات من صعود نجم إمبراطورية "المتحدة"، وأثناء إعلان نتائج أعمال الشركة 30 أيار/ مايو 2021، أعلن المنتج طارق مرسي، تسجيل خسائر بلغت 470 مليون جنيه بموسم دراما رمضان 2017، ليعلن المدير التنفيذي للشركة حسام صالح، عن خسائر بقيمة 637 مليون جنيه بين 2017 و2020.
وفي خبر نشره موقع "المال" الاقتصادي المحلي، نيسان/ أبريل الماضي، ثم حذفه لاحقا، أكد أن مصر شهدت بنهاية العام المالي (2024-2025) خسائر مرحلة لـ25 هيئة اقتصادية تقدر بـ250.7 مليار جنيه، كاشفا عن أن "الهيئة الوطنية للإعلام" بصدارة الهيئات الخاسرة.
وعلى الجانب الآخر، تعاني الصحف الورقية من تراجع نسب توزيعها بشكل كبير، ما أرجعه خبراء لأسباب نمط الملكية الموحدة وغياب الحرية، مشيرين إلى أن "23 صحيفة يومية و75 صحيفة معتمدة لا يتجاوز توزيعها 350 ألف نسخة يوميا، مع تراجع عدد الصحف الحزبية من 23 صحيفة في 2010 إلى صحيفتين في 2024.
ويشكو آلاف الصحفيين النقابيين من تدهور أوضاعهم المعيشية مع تدني الأجور والرواتب وعدم وصولها للحد الأدنى من الأجور (7 آلاف جنيه)، واعتمادهم على بدل التدريب والتكنولوجيا (4500 جنيه)، فيما يشكو غير النقابيين من أجور أقل بكثير.