صعدت صحف ومجلات عالمية من انتقادها لـ"الاحتلال"، جراء إصراره على مواصلة حربه على قطاع غزة بعد التقرير الأممي الذي خلص إلى ارتكاب جريمة الإبادة ضد الفلسطينيين، وقال عدد من الصحف إن الوقت قد حان لوقف هذه المقتلة ومحاسبة مرتكبيها.
وقالت مجلة إيكونوميست التي قالت:" إن هجوم الاحتلال على مدينة غزة يعمق عزلته الدولية وسط تراجع الدعم الأميركي له، مشيرة إلى استطلاعات رأي تظهر أن أكثر من 70 بالمئة من الإسرائيليين لا يدعمون هذه العمليةـ ونشرت المجلة عددها الأخير للعلاقة الأمريكية–الاحتلال، وكان عنوان الغلاف “كيف يخسر الاحتلال أمريكا”.
وقالت المجلة البريطانية، إن الحرب في غزة تقوض العلاقة بين الاحتلال والولايات المتحدة وأن على الإسرائيليين القلق من استطلاعات الرأي التي تظهر سلبية المواقف الأمريكية من الاحتلال، بسبب
حرب غزة، وسط محاولات نواب ديمقراطيين تقديم مشروع قرار في الكونغرس للدفع باتجاه الإعتراف بالدولة الفلسطينية واستخدام نواب جمهوريين وديمقراطيين مصطلح الإبادة الجماعية لوصف أفعال الاحتلال ضد الفلسطينيين في غزة.
دعم آخذ بالتأكل
وأضافت المجلة، إن الإسرائيليين لا يحبون التفكير بمنظور طلاق مع أمريكا لكنهم بدأوا يقلقون بشأن مستقبل العلاقة، وترى أن الدعم الأمريكي السياسي والشعبي للاحتلال آخذ بالتأكل، مما يهدد الدعم العسكري الأمريكي في المستقبل له ويعرض تل أبيب إلى عزلة في وقت تحاول فيه الحصول على معاملة تفضيلية من الرئيس دونالد ترامب.
اظهار أخبار متعلقة
واحتوى العدد الخاص في أيلول/سبتمبر على سلسلة من التقارير إلى جانب افتتاحية العدد أشارت فيها إلى تراجع الدعم الأمريكي الشعبي والمؤسسات للاحتلال. وكشفت المجلة أن الحرب في غزة وسياسات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تدفع الأمريكيين بعيدا عن الاحتلال، مشيرة إلى أن النظام السياسي الأمريكي بدأ يعكس هذا التحول.
صدع بين أمريكا والاحتلال
وبحسب المجلة فإن الاحتلال يجد نفسه يعتمد وبشكل متصاعد على الولايات المتحدة، أكثر من أي وقت مضى، وسط تآكل في قاعدة الدعم الأمريكي، مما قد يغير قواعد اللعبة، كما وأشارت إلى استطلاعات الرأي وشهادات المحللين السياسيين، حيث تقدم صورة شاملة عن الصدع الحالي في العلاقة، على مستوى الأحزاب والمواقف الجيلية والمجتمعات التي قد تشكل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الاحتلال في المستقبل.
نفور أمريكا
وفي غضون ذلك، يواصل نتنياهو توسيع المستوطنات، ويصور الاحتلال على أنه "إسبرطة عظمى" قادرة على الصمود بمفردها، مراهنا على أن التفوق العسكري يكفي، وتصف مجلة "إيكونوميست" كلامه بأنه "فكرة مأساوية" تخاطر بتنفير الدرع الحقيقي الوحيد للاحتلال: الولايات المتحدة.
وتتحدث المجلة أيضا عن تزايد الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية حتى مع تراجع الواقع على الأرض، وتقدم رام الله واجهة حديثة بمقاهي ومشاريع جديدة، ولكن بدون سيادة حقيقية. فيما تواجه السلطة الفلسطينية انهيار البنية التحتية، ورواتب غير مدفوعة ومدارس مغلقة واعتمادا اقتصاديا متزايدًا على الاحتلال.
وتشير إلى سياسات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لتقويض السلطة الوطنية من حجب الأموال والحد من العمليات المصرفية وشل حكم السلطة الفلسطينية إلى جانب الزيادة الكبيرة في المستوطنات والبؤر الاستيطانية، التي تضاعفت أربع مرات منذ عام 2018 وقسمت الضفة الغربية إلى جيوب معزولة، وتتصور خريطة السيادة لسموتريتش سيطرة احتلالية على أكثر من 80 بالمئة من الأراضي.
وقد اقترح بعض المستشارين الاحتلاليين مقترحات مثل "إمارة الخليل"، التي تقترح حكما ذاتيا تحت إشراف الاحتلال لأكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية، مع أن هذا الحديث ليس مبادرة فلسطينية رسمية، كما تشير مجلة "إيكونوميست"، بل ناجمة عن أن بعض التجار المحليين أبدوا اهتماما، بل وحلموا بالحصول على جوازات سفر احتلالية، في الوقت نفسه، يشهد الرأي العام الاحتلالي تحولا: إذ تظهر استطلاعات الرأي دعمًا غير مسبوق بين الإسرائيليين اليهود لطرد الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية.
نهاية المساعدات الأمريكية للاحتلال
وفي الوقت الذي يؤكد فيه المتفائلون الذين نقلت عنهم مجلة "إيكونوميست" على التنسيق الأمني القوي بين الولايات المتحدة والاحتلال، والتعاون العسكري غير المسبوق ضد إيران، والدور المحوري المستمر للاحتلال في الشرق الأوسط. إلا أن المجلة تحذر من أن التهديد الأكبر لا يكمن في الخلافات السياسية الآنية، بل في التحولات طويلة الأمد في الوعي العام الأمريكي.
ومع انتهاء اتفاقية المساعدات العسكرية الحالية بين الولايات المتحدة والاحتلال في عام 2028، تتزايد المخاوف في الاحتلال من أن الرئيس دونالد ترامب قد يرفض تجديدها بموجب شروطها الحالية، ويستكشف المسؤولون الاحتلاليون سبل إعادة تسمية الحزمة ليس كـ "مساعدات" ولكن كـ "شراكة"، مع التركيز على التطوير التكنولوجي المشترك والوصول إلى الأسلحة المتطورة.
ويعتقدون أن تأطيرها على أنها متبادلة بدلا من جانب واحد قد يسهل الموافقة عليها في واشنطن. وفي الوقت نفسه، قدم أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون لأول مرة قرارا يحث ترامب على الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومن غير المرجح أن يمر هذا الإجراء الرمزي بقيادة السيناتور الديمقراطي عن ولاية أوريغون جيف ميركلي، نظرا لسيطرة الجمهوريين ومعارضتهم لحل الدولتين، ومع ذلك، قال الرعاة إنه يهدف إلى إرسال إشارة قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والضغط على الإدارة لمساعدة غزة.
"الاحتلال" وحده
وليست المرة الأولى التي تضع فيها مجلة الإيكونوميست الاحتلال على غلافها. ففي آذار/مارس 2024، وبعد أكثر من خمسة أشهر من القتال في غزة، صورت المجلة علما احتلاليا وحيدا في الصحراء، بالكاد ملتصقًا بغصن رقيق، تحت عنوان "الاحتلال وحده". وتزامنت الصورة مع تزايد انتقادات إدارة بايدن وقرار كندا وقف مبيعات الأسلحة للاحتلال.
وبعد عام، وبعد النجاحات العسكرية الاحتلالية ضد حزب الله وإيران في عمليتي "سهام الشمال" و"أيام الانتقام"، والغارات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، قلب غلاف آذار/مارس 2025 الصورة. حيث أظهر حقلا مليئا بأعلام احتلالية ضخمة على خلفية مستوطنة، تحت عنوان "غطرسة الاحتلال". وترى "إيكونوميست" في افتتاحيتها أن الاحتلال بات معزولا مشيرة إلى أن اجتماع الجمعية العامة المقبل في الأسبوع المقبل سيشهد اعتراف دول صديقة مثل فرنسا واستراليا وكندا وبريطانيا بالدولة الفلسطينية.
وبالرغم من كل تأكيدات نتنياهو بأن العلاقات مع أمريكا متينة تماما، إلا أنها ليست كذلك. لقد أثار رئيس الوزراء حفيظة إدارة ترامب ويتجاهل التصدعات العميقة في أسس التحالف، وقالت إن الخسارة المفاجئة للدعم الشعبي الأمريكي ستكون كارثة على الاحتلال، وأكدت المجلة أن استطلاعات الرأي في أمريكا مذهلة. فنسبة الأمريكيين الذين يدعمون الاحتلال على حساب الفلسطينيين هي في أدنى مستوى لها منذ 25 عاما.
وقالت المجلة إن انخفاض الدعم بين الناخبين الجمهوريين لا يعود إلى تضارب المعتقدات بقدر ما هو إلى تباين المصالح، يمتد الغضب من استخدام أموال دافعي الضرائب لدعم أوكرانيا إلى حوالي 300 مليار دولار قدمتها أمريكا للاحتلال منذ تأسيسه عام 1948، كما وقوضت الضربات الاحتلالية على قطر وسوريا محاولات ترامب لإحلال السلام الإقليمي. بقيادة رئيس يعرف أين توجد الأموال، يتجه بعض المانحين نحو دول الخليج. لقد زادت الحرب في غزة من سوء الوضع.
"معاداة السامية" تهمة شنيعة
وعندما يرى الأمريكيون صور الأطفال الجائعين، يرتعدون خوفا، فإن بعض المعلقين الجمهوريين، مثل تاكر كارلسون، يستاءون من فكرة أن الاحتلال قد يجر أمريكا إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط بمهاجمة إيران، وكلما وجهت انتقادات للاحتلال، يُطلق المدافعون عنه اتهاماتٍ بمعاداة السامية، وليس دائما بنزاهة، ومع الإفراط في استخدامها، تفقد هذه التهمة الشنيعة قوتها.
اظهار أخبار متعلقة
وهذا أمر سيء لليهود في كل مكان، بما في ذلك في الاحتلال. وتعتقد المجلة أن الحديث عن علاقات قوية في ضوء التحولات الأمريكية هو نوع من التواطؤ، لأن المواقف المتغيرة بين الرأي العام هي أخطر من الخلافات بين الحكومات. وعلى الرغم من أنها بطيئة في اكتساب الزخم، إلا أنه من الصعب عكسها.
"الاحتلال" مقسّم
فعندما يغير الناخبون آراءهم، يمكن أن تنهار المحرمات السياسية فجأة. وحتى اليوم، يخشى بعض المحللين الاحتلاليين من أن يكون جو بايدن آخر رئيس أمريكي صهيوني بالغريزة. كما ومن الخطأ افتراض أن خليفة نتنياهو سيكون قادرا على تصحيح الأمور. فالاحتلال كيان "ديمقراطي"، ولكنه كيان منقسم، حيث يدعم العديد من الناخبين اليمين القومي الديني. وستبقى غزة مصدر قلق دائم، حتى مع توقف القتالـ في ظل تصميم فصائل قوية على توسيع المستوطنات وضم غزة وأجزاء من الضفة الغربية.